هجوم قطر وحساب إسرائيل

هجوم قطر وحساب إسرائيل

في ظهر الثلاثاء، كانت المنطقة على موعد مع خطوة تصعيدية -ربما هي الأخطر- أقدمت عليها إسرائيل منذ بداية الحرب الأخيرة بعد السابع من أكتوبر، وذلك عندما استهدفت مكتب الفصائل الفلسطينية في حي كتارا بالعاصمة القطرية الدوحة، أثناء اجتماع لقادة الفصائل للنظر في الورقة الأمريكية الأخيرة التي قُدمت عبر الوسطاء من أجل وقف إطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن، ومن بعدها الدخول في مفاوضات تتعلق بإنهاء الحرب.

التقارير التي خرجت من كواليس صناعة قرار الضربة الإسرائيلية على قطر كشفت عن أمور عدة:

أولًا: إن الفترة الماضية شهدت تحذيرات لقادة الفصائل من احتمالية قيام إسرائيل بمحاولات اغتيال في الخارج.

ثانياً: إن الموساد أكد لمسؤولين قطريين أن إسرائيل لن تنفذ أي عمليات على الأراضي القطرية.

ثالثًا: إن إسرائيل أخطرت الولايات المتحدة بعد وصول الطائرات بالفعل إلى مسافة قريبة من قطر، لتفويت أي محاولة لتحذير الدوحة.

رابعاً: إن إسرائيل هي الخاسر الأكبر من الهجوم، بعد فشلها في اغتيال القادة، مقابل ما ستواجهه الأيام المقبلة من تبعات جراء هذا التصعيد.

لقد تجاوزت إسرائيل، بالهجوم على العاصمة القطرية الدوحة، الحسابات السياسية كافة، وأظهرت رغبة حكومتها المتطرفة في توسيع دائرة الصراع في الشرق الأوسط؛ فمن الحرب الوحشية المستمرة على غزة، إلى الضربات المتواصلة في سوريا منذ أعوام، إلى الدخول في صراع مفتوح مع الجماعات المسلحة في اليمن، ثم ضرب إيران في حرب استمرت أياماً عدة، وأخيراً العدوان على الدول التي استضافت محادثات الوساطة وأسهمت في الإفراج عن رهائن إسرائيليين في غزة، والتي كانت -حتى لحظة القصف- ماضية في دورها الوسيط.

وفي كل مرة تصل فيها المحادثات إلى انفراجة تشير إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق برعاية الوسطاء العرب من قطر ومصر، إلى جانب الولايات المتحدة، تقدم الحكومة الإسرائيلية على فعل جنوني يعرقل تلك الجهود، حتى إن الداخل الإسرائيلي نفسه أصبح مقتنعاً تماماً بأن آخر ما يشغل نتنياهو وحكومته هو التوصل إلى اتفاق، في حين يشغله فقط استمرار دائرة الصراع وتوسيعها للحفاظ على وجوده السياسي في إسرائيل، والهروب من المحاكمات التي ستطوله حال توقفت الحرب.

عدّت دول الخليج، في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على قطر، أمنها لا يتجزأ، وأعلنت تضامنها الكامل مع الدوحة، مؤكدة ضرورة محاسبة إسرائيل، وضمان عدم إفلاتها من العقاب.

وبالنسبة لها، فالهجوم على قطر لا يمثل فقط عدواناً على دولة خليجية، بل هو اختبار مباشر لقدرة مجلس التعاون الخليجي على التحرك الجماعي والموحد في مواجهة تهديدات تمس سيادته وأمنه.. وهي قادرة على تحويل هذا التحدي إلى فرصة لتعزيز تكاملها الأمني والسياسي.

لن يسمح الخليج بأن يمر الهجوم الإسرائيلي الأخير دون أن تدفع إسرائيل ثمناً باهظاً، خصوصاً أنه هجوم لم يحقق أهدافه حتى الآن؛ فدول الخليج التي طالما حافظت على استقرار منطقتها عقوداً، لن تسمح لأي طرف إقليمي أن يجرها إلى صراع إقليمي لا يخدم مصالحها.

ويمتلك الخليج -بالفعل- كل الأدوات القادرة على ذلك. وقد تابع الجميع قبل أيام قليلة من الهجوم ما فعلته الإمارات -على سبيل المثال- عندما رسمت لإسرائيل خطاً أحمر أجبر حكومتها المتطرفة على التراجع عن خطة ضم الضفة الغربية.

كما تدرك الولايات المتحدة هذه المعادلة جيداً، وهو ما ظهر بوضوح في تصريحات مسؤوليها ورئيسها عقب الهجوم؛ فالجميع يدرك أهمية الخليج وما يمثله من مرتكز استقرار إقليمي فعّال وقوي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية